فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}:

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظالمين} عموم معناه الخصوص فيمن حتم كفره وموافاته عليه، ويحتمل أن يريد الأخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله، فتجيء الآية عامة تامة العموم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}.
استئناف ابتدائي يناسب ما سبقه من التنويه بشرف الإسلام.
و{كيف} استفهام إنكاري والمقصود إنكار أن تحصل لهم هداية خاصة وهي إما الهداية الناشئة عن عناية الله بالعبد ولطفه به، وإسنادها إلى الله ظاهر؛ وإما الهداية الناشئة عن إعمال الأدلة والاستنتاج منها، وإسنادُها إلى الله لأنّه موجد الأسباب ومسبّباتها.
ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملًا في الاستبعاد، فإنهم آمنوا وعلموا ما في كتب الله، ثمّ كفروا بعد ذلك بأنبيائهم، إذ عبدَ اليهود الأصنام غير مرة، وعبد النصارى المسِيح، وقد شهدوا أنّ محمدًا صادق لقيام دلائل الصدق، ثم كابروا، وشككوا الناس.
وجاءتهم الآيات فلم يتعظوا، فلا مطمع في هديهم بعد هذه الأحوال، وإنما تسري الهداية لمن أنصف وتهيّأ لإدراك الآيات دون القوم الذين ظلموا أنفسهم.
وقيل نزلت في اليهود خاصّة.
وقيل نزلت في جماعة من العرب أسلموا ثم كفروا ولحقوا بقريش ثم ندموا فراسلوا قومهم من المسلمين يسألونهم هل من توبة فنزلت، ومِنهم الحارث بن سويد، وأبو عامر الراهب، وطُعيمة بن أُبَيْرِق.
وقوله: {وشهدوا} عطف على {إيمانهم} أي وشهادتهم، لأنّ الاسم الشبيه بالفعل في الاشتقاق يحسن عطفه على الفعل وعطفُ الفعل عليه. اهـ.

.قال القرطبي:

{والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} يقال: ظاهر الآية أَنَّ مَن كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالمًا، لا يهديه الله؛ وقد رأينا كثيرًا من المرتدِّين قد أسلموا وهداهم الله، وكثيرًا من الظالمين تابوا عن الظلم.
قيل له: معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يُقبِلون على الإسلام؛ فأما إذا أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك. والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

فإن قيل: في ظاهر الآية أن من كفر بعد إسلامه، لا يهديه الله، ومن كان ظالمًا لا يهديه الله، وقد رأينا كثيرًا من المرتدين، أسلموا وهداهم الله، وكثيرًا من الظالمين تابوا عن الظلم.
قيل له: لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم، ولا يُقْبِلُون إلى الإسلام، فأما إذا جاهدوا، وقصدوا الرجوع، وفقهم الله لذلك لقوله: {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} [سورة العنكبوت: 69] وتأويل آخر: {كَيْفَ يَهْدِى الله} يقول: كيف يرشدهم إلى الجنة؟ كما قال في آية: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء: 168] ويقال: كيف يرحمهم الله وينجيهم من العقوبة؟ ويقال: كيف يغفر الله لهم؟ وقالت المعتزلة: كَيْفَ يَهْدِي الله؟ معناه: كيف يكونون مهتدين، لأنهم لا يرون الهداية، والاهتداء في الابتداء إلا على سبيل الجزاء، ويرون ذلك من كسب العبد. اهـ.

.قال الفخر:

السؤال الأول: قال في أول الآية: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا} وقال في آخرها {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} وهذا تكرار.
والجواب: أن قوله: {كَيْفَ يَهْدِى الله} مختص بالمرتدين، ثم أنه تعالى عمم ذلك الحكم في المرتد وفي الكافر الأصلي فقال: {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}.
السؤال الثاني: لم سمي الكافر ظالمًا؟
الجواب: قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والسبب فيه أن الكافر أورد نفسه موارد البلاء والعقاب بسبب ذلك الكفر، فكان ظالمًا لنفسه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد الألوسي:
قال رحمه الله:
{كَيْفَ يَهْدِى الله} إلى الدين الحق {قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم} أخرج عبد بن حميد وغيره عن الحسن أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وأقروا وشهدوا أنه حق فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدًا للعرب حين بعث من غيرهم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس مثله، وقال عكرمة: هم أبو عامر الراهب والحرث بن سويد في اثني عشر رجلًا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟ فنزلت الآية فيهم وأكثر الروايات على هذا والمراد من الآية استبعاد أن يهديهم أي يدلهم دلالة موصولة لا مطلق الدلالة قاله بعضهم، وقيل: إن المعنى كيف يسلك بهم سبيل المهديين بالإثابة لهم والثناء عليهم وقد فعلوا ما فعلوا، وقيل: إن الآية على طريق التبعيد كما يقال: كيف أهديك إلى الطريق وقد تركته أي لا طريق يهديهم به إلى الإيمان إلا من الوجه الذي هداهم به وقد تركوه ولا طريق غيره، وقيل: إن المراد كيف يهديهم إلى الجنة ويثيبهم والحال ما ترى؟
{وَشَهِدُواْ أَنَّ الرسول} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {حَقّ} لا شك في رسالته {وَجَاءهُمُ البينات} أي البراهين والحجج الناطقة بحقية ما يدعيه، وقيل: القرآن، وقيل: ما في كتبهم من البشارة به عليه الصلاة والسلام، {وَشَهِدُواْ} عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأنه بمعنى آمنوا، والظاهر أنه عطف على المعنى كما في قوله تعالى: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله} [الحديد: 18] لا على التوهم كما توهم؛ واختار بعضهم تأويل المعطوف ليصح عطفه على الاسم الصريح قبله بأن يقدر معه أن المصدرية أي: وإن شهدوا أي وشهادتهم على حد قوله:
ولبس عباءة وتقرّ عيني ** أحب إليّ من لبس الشفوف

وإلى هذا ذهب الراغب وأبو البقاء، وجوز عطفه على {كَفَرُواْ} وفساد المعنى يدفعه أن العطف لا يقتضي الترتيب فليكن المنكر الشهادة المقارنة بالكفر أو المتقدمة عليه، واعترض بأن الظاهر تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه وشهادتهم هذه لم تكن بعد إيمانهم بل معه أو قبله؛ وأجيب بالمنع لأنه لا يلزم تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه ولو قصد ذلك لأخر، وقيل: يمنع من ذلك العطف أنهم ليسوا جامعين بين الشهادة والكفر، وأجيب بالمنع بل هم جامعون وإن لم يكن ذلك معًا، ومن الناس من جعله معطوفًا على {كَفَرُواْ} ولم يتكلم شيئًا مما ذكر، وزعم أن ذلك في المنافقين وهو خلاف المنقول والمعقول، والأكثرون من المحققين على اختيار الحالية من الضمير في {كَفَرُواْ} وقد معه مقدرة، ولا يجوز أن يكون العامل يهدي لأنه يهدي من شهد أن الرسول حق وعليه، وعلى تقدير العطف على الإيمان استدل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان، ووجه ذلك أن العطف يقتضي بظاهره المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وأن الحالية تقتضي التقييد ولو كان الإقرار داخلًا في حقيقة الإيمان لخلا ذكره عن الفائدة، ولو كان عينه يلزم تقييد الشيء بنفسه ولا يخفى ما فيه، وادعى بعضهم أن المراد من الإيمان الإيمان بالله، ومن الشهادة المذكورة الإيمان برسول صلى الله عليه وسلم، والأمر حينئذ واضح فتدبر {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} أي الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر، ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه؛ ويجوز حمل الظلم مطلقه فيدخل فيه الكفر دخولًا أوليًا، والجملة اعتراضية أو حالية. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ خالدين فِيهَا}:

.قال الفخر:

المعنى أنه تعالى حكم بأن الذين كفروا بعد إيمانهم يمنعهم الله تعالى من هدايته، ثم بيّن أن الأمر غير مقصور عليه، بل كما لا يهديهم في الدنيا يلعنهم اللعن العظيم ويعذبهم في الآخرة، على سبيل التأبيد والخلود.
واعلم أن لعنة الله، مخالفة للعنة الملائكة، لأن لعنته بالإبعاد من الجنة وإنزال العقوبة والعذاب واللعنة من الملائكة هي بالقول، وكذلك من الناس، وكل ذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم وكفرهم فصح أن يكون جزاء لذلك. اهـ.

.قال ابن عطية:

اللعنة الإبعاد وعدم الرحمة والعطف، وذلك مع قرينة الكفر زعيم بتخليدهم في النار، ولعنة الملائكة قول، و{الناس}: بنو آدم، ويظهر من كلام أبي علي الفارسي في بعض تعاليقه، أن الجن يدخلون في لفظة الناس، وأنشد على ذلك، [الوافر]
فقلتُ إلى الطَّعامِ فَقَالَ مِنْهُمْ ** أُناسٌ يَحْسُدُ الأَنَسَ الطَّعاما

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والذي يظهر، أن لفظة {الناس} إذا جاءت مطلقة، فإنما هي في كلام العرب بنو آدم لا غير، فإذا جاءت مقيدة بالجن، فذلك على طريقة الاستعارة، إذ هي جماعة كجماعة، وكذلك {برجال من الجن} [الجن: 6] وكذلك {نفر من الجن} [الجن: 1]، ولفظة النفر أقرب إلى الاشتراك من رجال وناس، وقوله تعالى: {من الجنة والناس} [الناس: 6] قاض بتباين الصنفين، وقوله تعالى: {والناس أجمعين} إما يكون لمعنى الخصوص في المؤمنين ويلعن بضعهم بعضًا، فيجيء من هذا في كل شخص منهم أن لعنة جميع الناس، وإما أن يريد أن هذه اللعنة تقع في الدنيا من جميع الناس على من هذه صفته، وكل من هذه صفته- وقد أغواه الشيطان- يلعن صاحب الصفات ولا يشعر من نفسه أنه متصف بها، فيجيء من هذا أنهم يلعنهم جميع الناس في الدنيا حتى أنهم ليلعنون أنفسهم، لكن على غير تعيين. اهـ.

.قال البيضاوي:

{أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ} يدل بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه على نفي جواز لعن غيرهم. ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى مؤيسون عن الرحمة رأسًا بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضا يلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه. اهـ.

.قال الألوسي:

{أولئك} أي المذكورون المتصفون بأشنع الصفات وهو مبتدأ، وقوله سبحانه: {جَزَاؤُهُمْ} أي جزاء فعلهم مبتدأ ثان، وقوله عز شأنه: {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله والملئكة والناس أَجْمَعِينَ} خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول قيل: وهذا يدل بمنطوقه على جواز لعنهم، ومفهومه ينفي جواز لعن غيرهم، ولعل الفرق بينهم وبين غيرهم حتى خص اللعن بهم أنهم مطبوع على قلوبهم ممنوعون بسبب خياثة ذواتهم وقبح استعدادهم من الهدى آيسون من رحمة الله تعالى بخلاف غيرهم، والخلاف في لعن أقوام بأعيانهم ممن ورد لعن أنواعهم كشارب خمر معين مثلا مشهور والنووي على جوازه استدلالا بما ورد أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم في وجهه فقال: لعن الله تعالى من فعل هذا وبما صح أن الملائكة تلعن من خرجت من بيتها بغير إذن زوجها، وأجيب بأن اللعن هناك للجنس الداخل فيه الشخص أيضا، واعترض بأنه خلاف الظاهر كتأويل إن وراكبها بذلك والاحتياط لا يخفى والمراد من الناس إما المؤمنون لأنهم هم الذين يلعنون الكفرة، أو المطلق لأن كل واحد يلعن من لم يتبع الحق، وإن لم يكن غير متبع بناءًا على زعمه. اهـ.

.قال الفخر:

سؤالان:
السؤال الأول: لم عم جميع الناس ومن يوافقه لا يلعنه؟
قلنا: فيه وجوه:
الأول: قال أبو مسلم له أن يلعنه وإن كأن لا يلعنه.
الثاني: أنه في الآخرة يلعن بعضهم بعضًا قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] وقال: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: 25] وعلى هذا التقدير فقد حصل اللعن للكفار من الكفار.
والثالث: كأن الناس هم المؤمنون، والكفار ليسوا من الناس، ثم لما ذكر لعن الثلاث قال: {أَجْمَعِينَ}.
الرابع: وهو الأصح عندي أن جميع الخلق يلعنون المبطل والكافر، ولكنه يعتقد في نفسه أنه ليس بمبطل ولا بكافر، فإذا لعن الكافر وكان هو في علم الله كافرًا، فقد لعن نفسه وإن كأن لا يعلم ذلك.
السؤال الثاني: قوله: {خالدين فِيهَا} أي خالدين في اللعنة، فما خلود اللعنة؟.
قلنا: فيه وجهان:
الأول: أن التخليد في اللعنة على معنى أنهم يوم القيامة لا يزال يلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم في النار فلا يخلو شيء من أحوالهم، من أن يلعنهم لاعن من هؤلاء.
الثاني: أن المراد بخلود اللعن خلود أثر اللعن، لأن اللعن يوجب العقاب، فعبر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن، ونظيره قوله تعالى: {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْرًا خالدين فِيهِ} [طه: 100، 101].
الثالث: قال ابن عباس قوله: {خالدين فِيهَا} أي في جهنم فعلى هذا الكناية عن غير مذكور. اهـ.

.قال الألوسي:

{خالدين فِيهَا} حال من الضمير في {عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 78] والعامل فيه الاستقرار، والضمير المجرور للعنة أو للعقوبة أو للنار، وإن لم يجر لها ذكر اكتفاءًا بدلالة اللعنة عليها {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي لا يمهلون ولا يؤخر عنهم العذاب من وقت إلى وقت آخر، أو لا ينظر إليهم ولا يعتد بهم، والجملة إما مستأنفة أو في محل نصب على الحال. اهـ.